لعنة الأبواب

 

كان عليه، قبل أن يبدأ التحضير لعمل الغد، فتحُ الباب لشخص يطرق منذ نصف ساعة، لكنه نسي، أو تجاهل الأمر، لا فرق، إذ ما الداعي إلى نقر الخشب بالاصابع، ما دام الجرس على يمين العارضة، قال لنفسه. ويستطيع الطارق أن يفهم، من النوافذ المعتمة أنني خارج البيت، فهل كان ضوء الشمعة التي أعمل في كنفها، يمد له خيطاً من أمل يضئ ترقبه؟

بعد ساعتين عاد النقر من جديد، وبصوت أضعف، فيما سيلت الشمعة ذاتها، أو تكاد.

تأمل طويلاً، فيما إذا كان، ذلك الواقف في الخارج، غريباً أخطأ العنوان، أو قاصداً يطلب حاجة، أو خصماً يريد الشجار، وفكر بعيداً، أن كل ما تأتي به الأبواب يدعو إلى التمهل، والزمن كفيل بالإجابة.

إندس تحت الأغطية وغرق في النوم.

تجدد النقر، هذه المرة أشد، فنهض متذمراً وفتح. وجد نفسه حيال رجل برفقة نمر أرقط، قال الرجل:

-     هذا النمر يبحث عنك.

-     أنا؟

-     إنه يسأل عنك منذ مدة طويلة. رد الرجل ثم رحل، تاركاً خلفه النمر يلطع مشفريه، وينظر بعيون ساكنة.

وقف يرتعش من الهلع تحت أنظار الحيوان، لا يعرف ماذا يفعل. إن تراجع بسرعة هجم عليه، وإن ظل في وقفته لا يعرف كيف تنتهي الأمور. فتح الباب عن آخره فدخل النمر بخطوات رشيقة، هادئة.

رفض، وهو المدير المرهوب الجانب، المتمرس في مهنته، أن تلعب الأوهام بعقله، وكان النمر قد تمدد وسط الصالون، وراح يراقب عيون مضيفه.

تمعن، إن كان وراء وجود هذا الحيوان الكاسر في بيته تهويمات النعاس، أم أنه حقيقة شاخصة!، فابتسم وعاوده الاطمئنان، إذ لا يعقل أن يسرح، في هذه المدينة الكبيرة، الآهلة، البعيدة عن الغابات، نمر.

غير أن صورة العمال وهم يلصقون في الصباح على جدران المدارس، إعلاناً عن وصول سيرك إلى المدينة، صفعت ذهنه وبددت إطمئنانه.

صاحت زوجته من غرفة النوم:

-     ماذا تفعل حتى هذا الوقت المتأخر؟

-     دخل نمر إلى البيت!

-     آه، نفس الحكابة، ثم همد صوتها.

ظل كل منهما ينظر في عيني الآخر، وقد استسلما إلى يقظة تامة. قال، كمن يخاطب نفسه: "دائماً تصرين على فتح الباب حين يُطرق، وهذه الأبواب لا تأتي إلا بما يُفزع، إما نمر يلطع شاربيه، أو سياسي يتحدث عن المستقبل!"